فصل: دية السّاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سؤر

التّعريف

1 - السّؤر لغةً‏:‏ بقيّة الشّيء، وجمعه أسآر، وأسأر منه شيئاً أبقى، وفي الحديث «إذا شربتم فأسئروا أي أبقوا شيئاً من الشّراب في قعر الإناء»، وفي حديث الفضل بن عبّاس «ما كنت أوثر على سؤرك أحداً»‏.‏ ورجل سأر أي يبقي في الإناء من الشّراب‏.‏

ويقال‏:‏ سأر فلان من طعامه وشرابه سؤراً وذلك إذا أبقى بقيّةً‏.‏ وبقيّة كلّ شيء سؤره‏.‏ والسّؤر في الاصطلاح هو‏:‏ فضلة الشّرب وبقيّة الماء الّتي يبقيها الشّارب في الإناء، أو في الحوض، ثمّ استعير لبقيّة الطّعام أو غيره‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ ومراد الفقهاء بقولهم‏:‏ سؤر الحيوان طاهر أو نجس‏:‏ لعابه ورطوبة فمه‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - اختلف الفقهاء في أحكام الأسآر على اتّجاهين‏:‏

أحدها‏:‏ يذهب إلى طهارة الأسآر، وهو مذهب المالكيّة‏.‏

والآخر‏:‏ مذهب الجمهور الّذين يرون طهارة بعض الأسآر ونجاسة بعضها‏.‏ والتّفصيل كما يلي‏:‏

3 - ذهب الحنفيّة إلى تقسيم الأسآر إلى أربعة أنواع‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ سور متّفق على طهارته وهو سؤر الآدميّ بجميع أحواله مسلماً كان أو كافراً، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، طاهراً أو نجساً حائضاً أو نفساء أو جنباً‏.‏ «وقد أتي عليه الصلاة والسلام بلبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيّاً كان على يمينه فشرب، ثمّ ناوله أبا بكر رضي الله عنه فشرب، وقال‏:‏ الأيمن فالأيمن»‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كنت أشرب وأنا حائض، ثمّ أناوله النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب»‏.‏

ولأنّ سؤر الآدميّ متحلّب من لحمه، ولحمه طاهر، فكان سؤره طاهراً، إلاّ في حال شرب الخمر فيكون سؤره نجساً، لنجاسة فمه بالخمر‏.‏

ومن النّوع الأوّل المتّفق على طهارته سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطّيور إلاّ الجلّالة والدّجاجة المخلّاة، لما روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ بسؤر بعير أو شاة» ولأنّ سؤره متولّد من لحمه ولحمه طاهر‏.‏

أمّا سؤر الجلّالة والدّجاجة المخلّاة وهي الّتي تأكل النّجاسات حتّى أنتن لحمها فيكره استعماله لاحتمال نجاسة فمها ومنقارها‏.‏ وإذا حبست حتّى يذهب نتن لحمها فلا كراهة في سؤرها‏.‏ وأمّا سؤر الفرس فطاهر على قول أبي يوسف ومحمّد، وظاهر الرّواية عن أبي حنيفة، وهو الصّحيح، لأنّ سؤره متحلّب من لحمه، ولحمه طاهر، ولأنّ كراهة لحمه عنده ليست لنجاسته بل لاحترامه، لأنّه آلة الجهاد وإرهاب العدوّ، وذلك منعدم في سؤره فلا يؤثّر فيه‏.‏ ويرى أبو حنيفة في رواية أخرى عنه أنّ سؤره نجس بناءً على الرّواية الأخرى عنه بنجاسة لحمه‏.‏

ومن هذا النّوع‏:‏ ما ليس له نفس سائلة أي دم سائل، سواء كان يعيش في الماء أو في غيره فسؤره طاهر‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ السّؤر الطّاهر المكروه وهو سؤر سباع الطّير كالبازي والصّقر والحدأة ونحوها فسؤرها طاهر، لأنّها تشرب بمنقارها وهو عظم جافّ فلم يختلط لعابها بسؤرها، ولأنّ صيانة الأواني عنها متعذّرة، لأنّها تنقضّ من الجوّ فتشرب، إلاّ أنّه يكره سؤرها، لأنّ الغالب أنّها تتناول الجيف والميتات فأصبح منقارها في معنى منقار الدّجاجة المخلّاة‏.‏ وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّ سباع الطّير إن كان لا يتناول الميتات مثل البازي الأهليّ ونحوه فلا يكره الوضوء بسؤره‏.‏

ومن هذا النّوع سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحيّة والوزغة والعقرب ونحوها من الحشرات الّتي لها دم سائل، لأنّه يتعذّر صون الأواني منها‏.‏

ومن هذا النّوع أيضاً‏:‏ سؤر الهرّة فهو طاهر ولكنّه مكروه لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «السّنّور سبع»‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرّات أولاهنّ أو آخرهنّ بالتّراب، وإذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّةً»‏.‏

والمعنى في كراهة سؤر الهرّة من وجهين‏:‏

أحدهما ما ذكره الطّحاويّ‏:‏ وهو أنّ الهرّة نجسة لنجاسة لحمها، وسؤرها نجس مختلط بلعابها المتولّد من لحمها النّجس، ولكن سقطت نجاسة سؤرها اتّفاقاً، لعلّة الطّواف المنصوصة في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما هي من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات»‏.‏ حيث إنّها تدخل المضائق وتعلو الغرف فيتعذّر صون الأواني منها‏.‏

ولمّا سقط حكم النّجاسة من سؤرها لضرورة الطّواف بقيت الكراهة، لعدم تحاميها النّجاسة ولإمكان التّحرّز عنها في الجملة‏.‏

والثّاني‏:‏ ما ذكره الكرخيّ وهو أنّ الهرّة ليست بنجسة - وإلى هذا ذهب أبو يوسف - لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفى عنها النّجاسة بقوله‏:‏ «إنّها ليست بنجس»‏.‏

ولكن يكره سؤرها لتوهّم أخذها الفأرة فصار فمها كيد المستيقظ من نومه‏.‏

فلو أكلت الفأرة ثمّ شربت الماء قال أبو حنيفة‏:‏ إن شربته على الفور تنجّس الماء، وإن مكثت ساعةً ولحست فمها ثمّ شربت فلا يتنجّس بل يكره‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ يتنجّس الماء بناءً على ما ذكراه في سؤر شارب الخمر، وهو أنّ صبّ الماء شرط في التّطهير عند أبي يوسف ولم يوجد، وإنّ ما سوى الماء من المائعات ليس بطهور عند محمّد‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ السّؤر النّجس المتّفق على نجاسته في المذهب وهو سؤر الكلب والخنزير وسائر سباع البهائم‏.‏ أمّا الخنزير فلأنّه نجس العين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإنَّهُ رِجْسٌ‏}‏ الآية‏.‏ ولعابه يتولّد من لحمه النّجس‏.‏ وأمّا الكلب فلأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء من ولوغه سبع مرّات، ولسانه يلاقي الماء أو ما يشربه من المائعات الأخرى دون الإناء فكان أولى بالنّجاسة، ولأنّه يمكن الاحتراز عن سؤرهما وصيانة الأواني عنهما، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الماء وما ينوبه من السّباع ‏؟‏ قال‏:‏ إذا كان الماء قلّتين فإنّه لا ينجس»‏.‏ ولو كانت طاهرةً لم يحدّه بالقلّتين‏.‏

ولما روي أنّ عمر رضي الله عنه خرج في ركب فيه عمرو بن العاص حتّى وردا حوضاً فقال عمرو بن العاص‏:‏ يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السّباع ‏؟‏ فقال عمر‏:‏ يا صاحب الحوض لا تخبره فإنّنا نرد على السّباع وترد علينا‏.‏ ولو لم يكن الماء يتنجّس بشربها منه لم يكن للسّؤال ولا للنّهي عن الجواب معنىً، ولأنّ هذه الحيوانات غير مأكولة اللّحم ويمكن صون الأواني منها، وعند شربها يختلط لعابها بالمشروب ولعابها نجس لتحلّبه من لحمها وهو نجس، فكان سؤرها نجساً‏.‏

النّوع الرّابع‏:‏ المشكوك في طهارة سؤره وهو الحمار الأهليّ والبغل فسؤرهما مشكوك في طهارته ونجاسته لتعارض الأدلّة، فالأصل في سؤرهما النّجاسة، لأنّه لا يخلو سؤرهما عن لعابهما، ولعابهما متحلّب من لحمهما ولحمهما نجس، ولأنّ عرقه طاهر لما روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار معرورياً والحرّ حرّ الحجاز، ويصيب العرق ثوبه، وكان يصلّي في ذلك الثّوب»‏.‏ فإذا كان العرق طاهراً فالسّؤر أولى‏.‏

وقد تعارضت الآثار في طهارة سؤر الحمار ونجاسته، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه كان يقول‏:‏ الحمار يعتلف القتّ والتّبن فسؤره طاهر‏.‏ وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يقول‏:‏ إنّه رجس، وتعارضت الأخبار في أكل لحمه ولبنه كما تعارض تحقّق أصل الضّرورة فيه، لأنّه ليس في المخالطة كالهرّة فلا يعلو الغرف ولا يدخل المضائق، وليس في المجانبة كالكلب، فوقع الشّكّ في وقوع حكم الأصل، والتّوقّف في الحكم عند تعارض الأدلّة واجب، ولذلك كان مشكوكاً فيه فلا ينجّس سؤره الأشياء الطّاهرة، ولا يطهر به النّجس، وعند عدم الماء يتوضّأ بسؤره ويتيمّم احتياطاً، وأيّهما قدّم جاز، لأنّ المطهّر منهما غير متيقّن، فلا فائدة في التّرتيب‏.‏

وقال زفر‏:‏ يبدأ بالوضوء بسؤر الحمار أو البغل ليصير عادماً للماء حقيقةً‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نجاسة، طعام، طهارة‏)‏‏.‏

4 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ سؤر جميع الحيوانات من الأنعام، والخيل والبغال والحمير والسّباع والهرّة والفئران والطّيور والحيّات وسام أبرص، وسائر الحيوانات المأكولة وغير المأكولة - سؤر هذه الحيوانات طاهر لا كراهة فيه إلاّ الكلب والخنزير وما تولّد منهما أو من أحدهما‏.‏ فإذا ولغ أحد هذه الحيوانات في طعام جاز أكله بلا كراهة، وإذا شرب من ماء جاز الوضوء به بلا كراهة‏.‏

واستدلّوا لذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ لأنّ في تنجيس سؤر هذه الحيوانات حرجاً، ويعسر الاحتراز عن بعضها كالهرّة ونحوها من سواكن البيوت‏.‏ ولما ورد عن كبشة زوجة أبي قتادة رضي الله عنهما «أنّ أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءً فجاءت هرّة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتّى شربت، قالت كبشة‏:‏ فرآني أنظر إليه، فقال‏:‏ أتعجبين يا ابنة أخي ‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ فقال إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنّها ليست بنجس إنّما هي من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات»‏.‏

ولما روي عن جابر رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له‏:‏ أنتوضّأ بما فضلت الحمر ‏؟‏ قال‏:‏ وبما أفضلت السّباع»‏.‏

وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال‏:‏ «خطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ناقته، وإنّ لعابها يسيل بين كتفي»‏.‏

وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض الّتي بين مكّة والمدينة تردها السّباع والكلاب والحمر، وعن الطّهارة منها، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهور» ولقول عمر المتقدّم وفيه فإنّنا نرد على السّباع وترد علينا‏.‏

أمّا الكلب والخنزير وما تفرّع منهما أو من أحدهما فسؤره نجس، لقوله تعالى في الخنزير‏:‏ ‏{‏فَإنَّهُ رِجْسٌ‏}‏ الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم في الكلب‏:‏ «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات أولاهنّ بالتّراب» وفي رواية «فليرقه» أي الماء الّذي ولغ فيه‏.‏ والإراقة للماء إضاعة مال، فلو كان الماء طاهراً لما أمر بإراقته إذ قد نهى عن إضاعة المال‏.‏

وإن رأى شخص هرّةً أو نحوها تأكل نجاسةً ثمّ وردت على ماء قليل أي لا يبلغ قلّتين فشربت منه ففيه ثلاثة أوجه عند الشّافعيّة‏:‏

أصحّها‏:‏ أنّه إن غابت ثمّ رجعت لم ينجس الماء لأنّه يجوز أن تكون قد وردت على ماء كثير فطهر فمها ولأنّا - في هذه الحالة - قد تيقّنّا طهارة الماء وشككنا في نجاسة فمها، فلا ينجس الماء المتيقّن بالشّكّ‏.‏

والثّاني‏:‏ ينجس الماء لأنّا تيقّنّا نجاسة فمها‏.‏

والثّالث‏:‏ لا ينجس الماء بحال لأنّه لا يمكن الاحتراز منها فعفي عنه، ودليل هذا الوجه حديث‏:‏ «إنّما هي من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات» وهذا هو الأحسن عند الغزاليّ وغيره لعموم الحاجة وعسر الاحتراز فهي كاليهوديّ وشارب الخمر فإنّه لا يكره سؤرهما عند الشّافعيّة‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شكّ، طهارة، نجاسة‏)‏‏.‏

5- وذهب الحنابلة إلى تقسيم الحيوان إلى قسمين قسم نجس وقسم طاهر‏.‏

ثمّ قسّموا النّجس إلى نوعين‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ ما هو نجس روايةً واحدةً وهو الكلب والخنزير وما تولّد منهما أو من أحدهما، فهذا النّوع سؤره وعينه وجميع ما يخرج منه نجس، لقوله تعالى في الخنزير‏:‏ ‏{‏فَإنَّهُ رِجْسٌ‏}‏ الآية وقوله صلى الله عليه وسلم في الكلب‏:‏ «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثمّ ليغسله سبع مرّات» وفي رواية‏:‏ «ليغسله سبع مرّات أولاهنّ بالتّراب»‏.‏

فإذا ولغ في ماء أو مائع آخر يجب إراقته، وإذا أكل من طعام فلا يجوز أكله‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ ما اختلف في نجاسته وهو سائر سباع البهائم وجوارح الطّير والحمار الأهليّ والبغل، فعن أحمد أنّ سؤرها نجس إلاّ السّنّور وما يماثلها في الخلقة أو دونها فيها، فإذا شربت من ماء قليل ولم يجد غيره تركه وتيمّم، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السّباع فقال‏:‏ إذا كان الماء قلّتين فإنّه لا ينجس» فلو كانت طاهرةً لم يحدّه بالقلّتين‏.‏ «ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهليّة يوم خيبر‏:‏ إنّها رجس» ولأنّه حيوان حرم أكله، لا لحرمته مثل الفرس - حيث يحرم أكله عند من يقول بحرمته - ويمكن التّحرّز منه غالباً فأشبه الكلب، ولأنّ السّباع والجوارح الغالب عليها أكل الميتات، والنّجاسات فتنجّس أفواهها، ولا يتحقّق وجود مطهّر لها، فينبغي أن يقضى بنجاستها كالكلاب‏.‏

وروي عن أحمد أنّه قال‏:‏ في البغل والحمار إذا لم يجد غير سؤرها تيمّم معه وهو قول الثّوريّ‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وهذه الرّواية تدلّ على طهارة سؤرهما، لأنّه لو كان نجساً لم تجز الطّهارة به‏.‏ وروي عن إسماعيل بن سعيد‏:‏ لا بأس بسؤر السّباع لأنّ عمر قال فيها‏:‏ ترد علينا ونرد عليها، ثمّ قال‏:‏ والصّحيح عندي طهارة البغل والحمار، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمير والبغال»، وتركب في زمنه، وفي عصر الصّحابة، فلو كانت نجسةً لبيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأنّه لا يمكن التّحرّز منها بالنّسبة لمقتنيها فأشبه الهرّة، ومن هذا النّوع الجلّالة الّتي تأكل النّجاسات ففي رواية أنّ سؤرها نجس، وفي أخرى أنّه طاهر‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ طاهر في نفسه، وسؤره وعرقه طاهران وهو ثلاثة أضرب‏:‏

الأوّل‏:‏ الآدميّ، فهو طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلماً أو كافراً، رجلاً أو امرأةً، وإن كانت حائضاً أو نفساء أو كان الرّجل جنباً لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏«المؤمن لا ينجس»‏.‏ ولحديث «شرب النّبيّ صلى الله عليه وسلم من سؤر عائشة»‏.‏

الضّرب الثّاني‏:‏ ما يؤكل لحمه، فسؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به، إلاّ إن كان جلّالاً يأكل النّجاسات ففي سؤره الرّوايتان السّابقتان‏.‏

ويكره سؤر الدّجاجة المخلّاة لأنّ الظّاهر نجاسته‏.‏

الضّرب الثّالث‏:‏ الهرّة وما يماثلها من الخلقة أو دونها كالفأرة وابن عرس ونحو ذلك من حشرات الأرض، فسؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به، ولا يكره، لحديث عائشة رضي الله عنها «قالت‏:‏ كنت أتوضّأ أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وقد أصابت منه الهرّة قبل ذلك قالت‏:‏ وقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتوضّأ بفضل الهرّة»‏.‏ ولحديث كبشة الّذي سبق ذكره‏.‏

إلاّ أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ يغسل الإناء الّذي ولغت فيه الهرّة مرّةً أو مرّتين، وبه قال ابن المنذر، وقال الحسن وابن سيرين‏:‏ مرّةً، وقال طاوس‏:‏ سبع مرّات كالكلب، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كره الوضوء بسؤر الهرّة والحمار‏.‏

وإذا أكلت الهرّة ونحوها نجاسةً ثمّ شربت من ماء يسير بعد أن غابت فالماء طاهر، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفى عنها النّجاسة، وتوضّأ بفضلها مع علمه بأنّها تأكل النّجاسات‏.‏ وكذا إن شربت قبل أن تغيب فسؤرها طاهر كذلك في الرّاجح، لأنّ الشّارع عفا عنها مطلقًا لمشقّة التّحرّز‏.‏

وقال القاضي وابن عقيل‏:‏ ينجس الماء ‏;‏ لأنّه وردت عليه نجاسة متيقّنة، وقال المجد ابن تيميّة‏:‏ الأقوى عندي أنّها إن ولغت عقيب الأكل فسؤرها نجس، وإن كان بعده بزمن يزول فيه أثر النّجاسة بالرّيق لم ينجس، قال‏:‏ وكذلك يقوى عندي جعل الرّيق مطهّراً أفواه الأطفال وبهيمة الأنعام، وكلّ بهيمة أخرى طاهرة، فإذا أكلوا نجاسةً وشربوا من ماء يسير أو أكلوا من طعام فسؤرهم طاهر، وقيل‏:‏ إن غابت الهرّة ونحوها بعد أن أكلت النّجاسة غيبةً يمكن ورودها على ما يطهّر فمها فسؤرها طاهر وإلاّ فنجس‏.‏ وقيل‏:‏ إن كانت الغيبة قدر ما يطهّر فمها فطاهر، وإلاّ فنجس‏.‏

6- وذهب المالكيّة والأوزاعيّ إلى أنّ سؤر البهائم جميعاً طاهر ومطهّر إذا كان ماءً، ولو كانت هذه البهيمة محرّمة اللّحم أو كانت جلّالةً، ويدخل في ذلك الكلب والخنزير، وما تولّد منها أو من أحدهما لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً‏}‏ فأباح الانتفاع بالأشياء كلّها، ولا يباح الانتفاع إلاّ بالطّاهر، وحرمة الأكل لبعض الحيوانات لا تدلّ على النّجاسة، فالآدميّ ومثله الذّباب والعقرب والزّنبور ونحوها طاهر ولا يباح أكلها، إلاّ أنّه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب مع طهارته تعبّداً، ولكن يكره الوضوء بسؤر الكلب والجلّالة والدّجاجة المخلّاة وشارب الخمر، وكذا بقيّة الحيوانات الّتي لا تتوقّى النّجاسة كالهرّة، إلاّ إذا لم يجد ماءً آخر يتوضّأ به، أو عسر الاحتراز من الحيوانات الّتي لا تتّقي النّجاسة، أو كان السّؤر طعامًا فلا يكره استعمال سؤر ما ذكر حينئذ‏.‏

ولم يفرّق بعضهم بين الماء والطّعام وذلك لمشقّة الاحتراز، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الهرّة‏:‏ «ليست بنجس إنّها من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات»‏.‏

كما ذهبوا إلى طهارة سؤر الحائض والنّفساء والجنب ولو كانوا كفّاراً‏.‏

سائبة

التّعريف

1 - السّائبة من السّيب، ومن معانيه في اللّغة الجري بسرعة، والإهمال والتّرك‏.‏ وسيّب الشّيء‏:‏ تركه‏.‏ والسّائبة‏:‏ العبد يعتق على أن لا ولاء لمعتقه عليه‏.‏

وكذلك السّائبة‏:‏ البعير يدرك نتاج نتاجه فيسيّب ولا يركب ولا يحمل عليه عندهم‏.‏

والسّائبة أيضاً النّاقة الّتي كانت تسيّب في الجاهليّة لنذر ونحوه، وكان الرّجل في الجاهليّة إذا قدم من سفر بعيد، أو برئ من علّة، أو نجّته دابّة من مشقّة أو حرب قال‏:‏ ناقتي سائبة، أي تسيّب، فلا ينتفع بظهرها، ولا تحلّأ ‏(‏لا تطرد‏)‏ عن ماء، ولا تمنع من كلأ ولا تركب‏.‏

والفقهاء يستعملون اللّفظ بالمعنيين‏:‏ عتق العبد ولا ولاء له‏.‏

وتسييب الدّابّة بمعنى رفع يده عنها وتركها على سبيل التّديّن‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّائبة

2 - تختلف الأحكام المتعلّقة بتسييب السّوائب باختلاف موضوعها‏.‏

فقد يكون التّسييب واجباً، كما لو أحرم شخص وفي يده صيد فإنّه يجب عليه إرساله‏.‏

وقد يكون مباحاً، كإرسال الصّيد عند من يقول بإباحة إرساله‏.‏

وقد يكون حراماً، كتسييب الدّابّة‏.‏

وقد يكون مكروهاً، كعتق العبد سائبةً كما يقول المالكيّة‏.‏

أوّلاً‏:‏ عتق العبد سائبةً

3 - من ألفاظ العتق ما هو صريح في العتق كقول السّيّد لعبده‏:‏ أنت عتيق، أو أعتقتك، ومنها ما هو كناية يحتاج إلى نيّة، ومن ذلك لفظ ‏(‏سائبة‏)‏ فمن قال لعبده‏:‏ أنت سائبة، فلا يعتق إلاّ إذا نوى العتق‏.‏

وقد اختلف الفقهاء إذا أعتق العبد سائبةً لمن يكون الولاء ‏؟‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة وابن نافع من المالكيّة ومال إليه ابن العربيّ إلى أنّ الولاء يكون لمعتقه، حتّى ولو شرط أن لا ولاء له عليه فإنّ الشّرط باطل لأنّه مخالف للنّصّ‏.‏ واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الولاء لمن أعتق»‏.‏ وقوله‏:‏ «الولاء بمنزلة النّسب»‏.‏

فكما أنّه لا يزول نسب إنسان ولا ولد عن فراش بشرط، لا يزول ولاء عن عتيق بالشّرط، ولذلك «لمّا أراد أهل بريرة أن يشترطوا على عائشة رضي الله تعالى عنها ولاء بريرة إذا عتقت قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ اشتريها واشترطي لهم الولاء، فإنّما الولاء لمن أعتق»، وبهذا أيضاً قال النّخعيّ والشّعبيّ وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة بن حبيب، وعلى هذا فإنّ معتقه‏.‏ هو الّذي يرثه إن لم يكن له وارث، قال سعيد‏:‏ حدّثنا هشيم عن منصور أنّ عمر وابن مسعود قالا في ميراث السّائبة هو للّذي أعتقه‏.‏

وقال المالكيّة وهو المنصوص عن أحمد‏:‏ إنّ من أعتق عبده سائبةً لا يكون لمعتقه الولاء، قال المالكيّة‏:‏ ويكون ولاؤه للمسلمين يرثونه ويعقلون عنه، ويكون عقد نكاحها إن كانت أنثى - وهو قول عمر بن عبد العزيز والزّهريّ ومكحول وأبي العالية‏.‏

وقال أحمد‏:‏ إن مات العتيق وخلّف مالاً ولم يدع وارثاً اشتري بماله رقاب فأعتقوا، وقد أعتق ابن عمر عبداً سائبةً فمات فاشترى ابن عمر بماله رقاباً فأعتقهم‏.‏

وعن عطاء قال‏:‏ كنّا نعلم أنّه إذا قال‏:‏ أنت حرّ سائبة فهو يوالي من شاء‏.‏

ثانياً‏:‏ تسييب الدّوابّ

4 - الأصل أنّ تضييع المال حرام، وقد أبطل اللّه سبحانه وتعالى ما كان يفعله أهل الجاهليّة من تسييب دوابّهم وتحريم الانتفاع بها وجعلها لآلهتهم، وعاب عليهم ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ‏}‏، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قصبه أمعاءه في النّار وكان أوّل من سيّب السّوائب»‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تسييب البهائم بمعنى تخليتها ورفع المالك يده عنها حرام، لما فيه من تضييع المال والتّشبّه بأهل الجاهليّة، والواجب على من ملك بهيمةً أن ينفق عليها ما تحتاجه من علف وسقي، أو إقامة من يرعاها، أو تخليتها لترعى حيث تجد ما يكفيها، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «دخلت امرأة النّار في هرّة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»‏.‏

فإن امتنع من علفها أجبره الحاكم على ذلك، فإن أبى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت ممّا تؤكل، وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يجبر على الإنفاق ديانةً ولا يجبر قضاءً‏.‏

ومن سيّب دابّته فلا يزول ملكه عنها‏.‏ وهذا في الجملة‏.‏

ومن سيّب دابّته فأخذها إنسان فأصلحها ثمّ جاء صاحبها‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ هذا على وجهين‏:‏

أحدهما أن يقول عند التّسييب‏:‏ جعلتها لمن أخذها، فحينئذ لا سبيل لصاحبها عليها لأنّه أباح التّملّك، وفي القياس تكون لصاحبها‏.‏

والثّاني‏:‏ إن كان سيّبها ولم يقل شيئاً، فإنّ صاحبها له أن يأخذها ممّن أصلحها، لأنّه لو جاز تملّك من وجدها وأصلحها من غير قول المالك هي لمن أخذها، لجاز ذلك في الجارية والعبد يتركه مريضاً في أرض مهلكة، فيأخذه رجل فينفق عليه فيبرأ فيصير ملكاً له، ويطأ الجارية ويعتق العبد بلا شراء ولا هبة ولا إرث ولا صدقة، وهذا أمر قبيح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من ترك دابّته بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلّصها ملكها، وبهذا قال اللّيث وإسحاق، وذلك لما روى الشّعبيّ مرفوعاً أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من وجد دابّةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيّبوها فأخذها فأحياها فهي له»‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ وهذا إذا لم يتركها ليرجع إليها أو ضلّت منه، فحينئذ لا يملكها آخذها وتكون لربّها‏.‏

ثالثاً‏:‏ تسييب الصّيد

5 - من ملك صيدًا فإنّه يحرم عليه تسييبه وإرساله، لأنّه يشبه السّوائب في الجاهليّة الّتي حرّمها اللّه سبحانه وتعالى، وفيه تضييع للمال، وهذا عند الشّافعيّة في الأصحّ وهو المذهب عند الحنابلة وهو قول الحنفيّة، سواء أباحه لمن يأخذه أو لم يبحه‏.‏

وفي قول آخر عندهم أنّ حرمة الإرسال مقيّدة بما إذا كان الإرسال من غير إباحة لأحد، أمّا إذا أباحه لمن يأخذه فيجوز إرساله‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والحاصل أنّ إطلاق الصّيد من يده جائز إن أباحه لمن يأخذه، وقيل‏:‏ لا يجوز إعتاقه مطلقاً ‏"‏ أي سواء أباحه لمن يأخذه أو لم يبحه ‏"‏، لأنّه وإن أباحه فالأغلب أنّه لا يبقى في يد أحد فيبقى سائبةً، وفيه تضييع المال‏.‏

وفي القول الثّاني عند الشّافعيّة يجوز الإرسال، وهو احتمال عند الحنابلة ذكره ابن قدامة في المغني ثمّ قال‏:‏ والإرسال هنا يفيد، وهو ردّ الصّيد إلى الخلاص من أيدي الآدميّين وحبسهم، ولهذا روي عن أبي الدّرداء أنّه اشترى عصفوراً من صبيّ فأرسله‏.‏

هذا ويستثنى من حرمة الإرسال ما إذا خيف على ولد الصّيد بحبس ما صاده، فحينئذ يجب إرساله صيانةً لروحه‏.‏

وتسييب الصّيد لا يزيل ملك صاحبه عنه، ومن أخذه لزمه ردّه لأنّ رفع اليد لا يقتضي زوال الملك‏.‏

وذلك عند الحنفيّة وهو مذهب الحنابلة والأصحّ عند الشّافعيّة، ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة يزول ملكه عنه ويملكه من أخذه،وزوال الملك هو احتمال ذكره صاحب المغني من الحنابلة‏.‏

أمّا لو قال عند إرساله‏:‏ أبحته لمن يأخذه، فإنّ ملك صاحبه يزول عنه ويباح لمن أخذه، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة، لكن قال الشّافعيّة‏:‏ لو قال مطلق التّصرّف عند إرساله‏:‏ أبحته لمن يأخذه أو أبحته فقط، حلّ لمن أخذه أكله بلا ضمان، وله إطعام غيره، ولا ينفذ تصرّفه فيه ببيع ونحوه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن اصطاد شخص صيداً وأرسله باختياره وصاده آخر فهو للثّاني اتّفاقاً عندهم، قاله اللّخميّ‏.‏

رابعاً‏:‏ تسييب صيد الحرم

6 - صيد الحرم حرام على الحلال والمحرم «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكّة إنّ هذا البلد حرّمه اللّه ولا يعضد شوكه ولا ينفّر صيده»‏.‏

ومن ملك صيداً في الحلّ ثمّ أحرم أو دخل به الحرم وجب عليه إرساله، أي يجب عليه أن يطلق الصّيد بمجرّد إحرامه أو دخوله الحرم، لأنّ الحرم سبب محرّم للصّيد ويوجب ضمانه فحرم استدامة إمساكه كالإحرام، فإن لم يرسله وتلف فعليه جزاؤه وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏

وقال الشّافعيّة على ما جاء في مغني المحتاج‏:‏ لو أدخل الحلال معه إلى الحرم صيداً مملوكاً له لا يضمنه، بل له إمساكه فيه وذبحه التّصرّف فيه كيف شاء لأنّه صيد حلّ، ثمّ قال بعد ذلك‏:‏ وإن كان في ملكه صيد فأحرم، زال ملكه عنه ولزمه إرساله، لأنّه يراد للدّوام فتحرم استدامته‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏حرم، صيد، إحرام‏)‏‏.‏

سائق

التّعريف

1 - السائق في اللّغة‏:‏ اسم فاعل ‏"‏ ساق ‏"‏، يقال‏:‏ ساق الإبل يسوقها سوقاً وسياقاً، فهو سائق‏.‏ وفي التنزيل ‏{‏وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ‏}‏ أي سائق يسوقها إلى المحشر، واسم المفعول‏:‏ ‏"‏ مسوق ‏"‏‏.‏

وسائق الإبل يكون خلفها بخلاف الرّاكب والقائد‏.‏

فالرّاكب يمتطيها ويعلو عليها، والقائد يكون أمامها آخذاً بقيادها‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا ساق في الطريق العام دابّة أو دواب فجنت على نفس، أو أتلفت مالاً ضمن السائق ما أتلفته، سواء أكان مالكاً أم غاصباً، أم أجيراً أم مستأجراً، أم مستعيراً أم موصى له بالمنفعة، وقالوا‏:‏ لأنّها في يده، وفعلها منسوب له، فعليه حفظها، وتعهدها، ولأنّ إباحة السوق في الطريق العام مشروطة بسلامة العاقبة، فإن حصل تلف بسببه لم يتحقق الشرط فوقع تعدياً، فيكون المتولد منه مما يمكن الاحتراز عنه فيكون مضموناً، وهذا مما يمكن الاحتراز عنه بأن يذود النّاس عن الطريق، فيضمن وسواء أكان السائق راجلاً أم راكباً‏.‏

وخص الحنابلة الضّمان بما تتلفه الدابة بيدها، أو فمها، أو وطئت برجلها‏.‏ أما ما تنفحه برجلها فلا يضمن‏.‏

لخبر «الرجل جبار» وفي رواية «رجل العجماء جبار» فدلّ على وجوب الضمان في جنايتها بغير رجلها، وخصص عدم الضمان بالنفح دون الوطء لأنّ من بيده الدّابة يمكنه أن يجنبها وطء مالا يريد أن تطأه بتصرفه فيها، بخلاف نفحها، فإنّه لا يمكنه أن يمنعها منه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يضمن السائق إلا إذا حدث التلف بفعل منه‏.‏

وإذا كان مع السائق قائد، أو راكب، أو هما وكل منهم يتصرف في الدّابة اشتركوا في الضّمان لاشتراكهم في التصرف‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ ويجب على الراكب أيضاً الكفارة في صورة القتل الخطأ ويحرم من الميراث والوصية، أما الراجل منهم فلا كفارة عليه، ولا يمنع من الميراث والوصية، لأنّ هذه أحكام تتعلق بمباشرة القتل لا بالتسبيب، والمباشرة من الراكب لا من غيره‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏ضمان‏)‏‏.‏

سائق القطار- الدّوابّ المقطورة

3 - إذا كانت الدّوابّ قطاراً مربوطاً بعضها ببعض ويقودها قائد، والسّائق في آخرها فالضّمان عليهما، لأنّ كلّاً منهما سبب التّلف‏.‏ وإن كان السّائق في وسط القطار فالضّمان عليهما، لأنّ السّائق يسوق ما بين يديه وهو قائد لما خلفه، والسّوق والقود كلّ واحد منهما سبب لوجوب الضّمان‏.‏ وإلى هذا ذهب الحنفيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان السّائق في آخر المقطورة شارك القائد في ضمان الأخير فقط، لأنّهما اشتركا في التّصرّف على الأخير، ولا يشارك القائد فيما قبل الأخير لأنّه ليس سائقاً لما قبل الأخير ولا هو تابع لما يسوقه‏.‏

وإن كان في أوّل المقطورة شارك القائد في ضمان جناية الكلّ، لأنّه لو انفرد بذلك لضمن جناية الجميع، لأنّ ما بعد الأوّل تابع، سائر بسيره فإذا كان معه غيره وجب أن يشاركه في ذلك‏.‏

وإن كان السّائق فيما عدا الأوّل من المقطورة شارك القائد، في ضمان ما باشر سوقه، وفي ضمان ما بعد الّذي باشر سوقه، لأنّه تابع له، ولا يشارك السّائق القائد في ضمان ما قبل ما باشر سوقه لأنّه ليس سائقاً له، وهذا القسم من المقطورة ليس تابعاً لما يسوقه‏.‏ وحيث وجب الضّمان فهو على السّائق إن كان المجنيّ عليه ممّا لا تحمل العاقلة غرمه كالمال‏.‏

وإن كانت الجناية ممّا تحمله العاقلة كدية القتل الخطأ فالغرم عليها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ عاقلة‏)‏‏.‏

السّائق مع الماشية حرز لها

4 - الماشية المسوقة محرزة بسائقها، فيقطع سارقها بشرط أن ينتهي نظر السّائق إليها، فإن كان لا يرى البعض لحائل فهذا البعض غير محرز، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء‏.‏ وفي وجه للشّافعيّة‏:‏ لا يشترط ذلك‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّها غير محرزة فلا يقطع سارقها، وقالوا‏:‏ لأنّ السّائق ونحوه كالقائد إنّما يقصدون قطع المسافة، ونقل الأمتعة دون حفظ الدّابّة‏.‏

تنازع السّائق مع الرّاكب

5 - إذا تنازع السّائق مع الرّاكب في ملكيّة الدّابّة ولا بيّنة، صدّق الرّاكب، إلاّ إذا جرى العرف على سوق المالك الدّابّة، فيتّبع العرف‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏دعوى، وبيّنة‏)‏‏.‏

سائمة

التّعريف

1 - السّائمة في اللّغة‏:‏ الرّاعية من الحيوانات، سمّيت بذلك لأنّها ترعى العشب والكلأ المباح، يقال‏:‏ سامت تسوم سوماً إذا رعت، وأسمتها‏:‏ إذا رعيتها، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ‏}‏ أي ترعون فيه أنعامكم‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ هي الّتي تكتفي بالرّعي المباح في أكثر العام‏.‏

وقيّد الحنفيّة والحنابلة ذلك بأن يكون بقصد الدّرّ والنّسل والزّيادة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العلوفة‏:‏

2 - العلوفة‏:‏ هي ما يعلف من النّوق أو الشّياه ولا ترسل للرّعي‏.‏

ويطلق على ما تأكل الدّابّة، وعلى هذا فالعلاقة بين السّائمة والعلوفة ضدّيّة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّائمة

اشتراط السّوم في وجوب زكاة الماشية

3 - يشترط في وجوب زكاة الماشية السّوم عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وأكثر أهل العلم، فتجب الزّكاة في السّائمة من الإبل والبقر والغنم، وكذلك الخيل عند أبي حنيفة، لما جاء في صحيح البخاريّ من حديث أبي بكر‏:‏ «في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها شاة»

وروى أبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «في كلّ سائمة إبل في أربعين ابنة لبون»‏.‏

وأمّا الأنعام المعلوفة فلا زكاة فيها لانتفاء السّوم، لأنّ وصف الإبل بالسّائمة يدلّ مفهومه على أنّ المعلوفة لا زكاة فيها، وأنّ ذكر السّوم لا بدّ من فائدة يعتدّ بها صيانةً لكلام الشّارع عن اللّغو‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ لا يشترط السّوم في زكاة الأنعام، فأوجبوا الزّكاة في المعلوفة من الإبل والبقر والغنم، كما أوجبوها في السّائمة سواءً بسواء، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة»‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ التّقييد بالسّائمة في الحديث لأنّه الغالب على مواشي العرب، فهو لبيان الواقع لا مفهوم له‏.‏

السّوم الّذي تجب فيه الزّكاة

4 - القائلون بوجوب الزّكاة في الأنعام السّائمة، يختلفون في اعتبار السّوم الّذي تجب به الزّكاة، فاشترط الحنفيّة والحنابلة أن ترعى العشب المباح في البراري في أكثر العام بقصد الدّرّ والنّسل والتّسمين، فإن أسامها للذّبح أو الحمل أو الرّكوب أو الحرث، فلا زكاة فيها لعدم النّماء، وإن أسامها للتّجارة ففيها زكاة التّجارة‏.‏

وإن أسامها بنفسها بدون أن يقصد مالكها ذلك فلا زكاة فيها عند الحنفيّة‏.‏

وأمّا عند الحنابلة على الأصحّ فلا يعتبر للمسوم والعلف نيّة، فتجب الزّكاة في سائمة بنفسها أو سائمة بفعل غاصبها، كغصبه حبّاً وزرعه في أرض مالكه ففيه العشر على مالكه، كما لو نبت بلا زرع‏.‏

ولا تجب الزّكاة في معتلفة بنفسها أو بفعل غاصب لعلفها مالكاً كان أو غيره‏.‏

والسّوم عند الشّافعيّة أن يرسل الأنعام صاحبها للرّعي في كلأ مباح في جميع الحول، أو في الغالبيّة العظمى منه، ولو سامت بنفسها أو بفعل غاصب أو المشتري شراءً فاسداً لم تجب الزّكاة في الأصحّ لعدم إسامة المالك، وإنّما اعتبر قصده دون قصد الاعتلاف، لأنّ السّوم يؤثّر في وجوب الزّكاة فاعتبر فيه قصده، والاعتلاف يؤثّر في سقوطها، فلا يعتبر قصده ‏;‏ لأنّ الأصل عدم وجوبها، وبذلك يشترط عند الشّافعيّة أن يكون كلّ السّوم من المالك أو من يقوم مقامه، فلا زكاة فيما لو سامت بنفسها أو أسامها غير المالك، وإن اعتلفت السّائمة بنفسها أو علفها الغاصب القدر المؤثّر من العلف فيهما، لم تجب الزّكاة في الأصحّ لعدم السّوم، أو كانت عوامل في حرث ونضح ونحوه، لأنّها لا تقتنى للنّماء بل للاستعمال، كثياب البدن ومتاع الدّار‏.‏

وللتّفصيل في الأحكام المتعلّقة بسائمة الأنعام تنظر مباحث‏:‏ ‏(‏زكاة، بقر، إبل، غنم‏)‏‏.‏

ساعة الإجابة

انظر‏:‏ مواطن الإجابة‏.‏

ساعد

التّعريف

1 - السّاعد من الإنسان لغةً‏:‏ هو ما بين المرفق والكفّ، وهو مذكّر، سمّي ساعداً لأنّه يساعد الكفّ في بطشها وعملها، والجمع سواعد‏.‏

والسّاعد ملتقى الزّندين من لدن المرفق إلى الرّسغ‏.‏

والسّاعد هو الأعلى من الزّندين عند بعض العرب، والذّراع الأسفل منهما‏.‏

قال اللّيث‏:‏ الذّراع والسّاعد واحد‏.‏

قال الأزهريّ‏:‏ والسّاعد ساعد الذّراع، وهو ما بين الزّندين والمرفق‏.‏

وقال في المصباح‏:‏ والسّاعد أيضًا العضد‏.‏ ومعناه الاصطلاحيّ هو معناه اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العضد‏:‏

2 - العضد ما بين المرفق إلى الكتف‏.‏

ب - الذّراع‏:‏

3 - الذّراع من الإنسان هو من المرفق إلى أطراف الأصابع‏.‏

ج - اليد‏:‏

4 - لليد إطلاقات ثلاثة، فهي من المنكب إلى أطراف الأصابع، ومن المرافق إلى أطراف الأصابع، والكفّ وحدها أي من الرّسغ إلى أطراف الأصابع‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّاعد

أ - في الوضوء‏:‏

5 - ذهب الجمهور إلى وجوب غسل السّاعد شاملاً المرفق عند الوضوء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ‏}‏،

ولحديث «كان صلى الله عليه وسلم إذا توضّأ أدار الماء على مرفقيه»‏.‏

وذهب زفر وبعض أصحاب مالك إلى عدم وجوب غسل المرفقين عند الوضوء لأنّ الغاية عندهم لا تدخل في المغيّا، كما لا يدخل اللّيل تحت الأمر بالصّوم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ‏}‏‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

ب - في التّيمّم‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في حكم مسح السّاعدين في التّيمّم‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول عند المالكيّة‏:‏ إلى وجوب مسح السّاعد مع المرفق عند التّيمّم‏.‏ واستدلّوا بأدلّة الجمهور في الوضوء، لأنّ التّيمّم بدل عنه‏.‏

وذهب الحنابلة وهو الرّاجح عند المالكيّة والقول القديم للشّافعيّ‏:‏ إلى أنّه يمسح يديه إلى كوعيه ولا يجب عليه مسح السّاعد، لما روي «أنّ عمّار بن ياسر رضي الله عنهما أجنب فتمعّك في التّراب، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ يكفيك الوجه والكفّان»‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

ج - العورة‏:‏

7 -ذهب الجمهور إلى أنّ السّاعد داخل في عورة المرأة الحرّة في الصّلاة وفي غير الصّلاة‏.‏ إلاّ أنّ المالكيّة يرون أنّ السّاعد من العورة الخفيفة للمرأة الحرّة، فإذا انكشف في الصّلاة أعادتها ما دامت في الوقت، ولا تعيد في غير الوقت‏.‏

واختلفت الرّواية عند الحنفيّة في حكم الذّراع ‏"‏ السّاعد ‏"‏ ففي رواية أنّه عورة في الصّلاة وفي غير الصّلاة وهو الأصحّ‏.‏

وفي رواية أخرى هو عورة في الصّلاة لا خارجها‏.‏ وروي عن أبي يوسف أنّه يباح النّظر إلى ساعد المرأة الحرّة الأجنبيّة إذا آجرت نفسها للخدمة كالطّبخ وغسل الثّياب وغير ذلك، كما يجوز النّظر إلى مرفقها، لأنّ الحاجة تدعو إلى إبدائهما عادةً‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

د - في القصاص‏:‏

8 - أجمع الفقهاء على أنّه لو قطع الجاني يد المجنيّ عليه من المرفق عمداً، وجب القصاص على الجاني‏.‏

كما أجمعوا على أنّه لو قطعها من نصف السّاعد أو نحوه فليس للمجنيّ عليه أن يقطع يد الجاني من نفس ذلك الموضع، لما روي «أنّ رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسّيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدّية فقال‏:‏ إنّي أريد القصاص قال‏:‏ خذ الدّية بارك اللّه لك فيها» ولأنّ القطع ليس من مفصل فيتعذّر الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة‏.‏

ولكن يرى بعض العلماء أنّ له قطع يد الجاني من مفصل الكفّ، لأنّ فيه تحصيل استيفاء بعض الحقّ والميسور لا يسقط بالمعسور، وله حكومة عدل في الباقي، لأنّه لم يأخذ عوضًا عنه، كما أنّ له العفو عن الجناية أو العدول إلى المال‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏جناية، قصاص، قود‏)‏‏.‏

هـ - في الدّية‏:‏

9 - أجمع الفقهاء على أنّه لو قطع يده من مفصل الكفّ خطأً أو عدل المجنيّ عليه في العمد إلى الدّية، فإنّه يجب على الجاني دية اليد كاملةً ‏;‏ لأنّ اسم اليد عند الإطلاق ينصرف إلى هذا بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا‏}‏ ولهذا تقطع يد السّارق من مفصل الكفّ‏.‏

فإذا قطعت يده من فوق الكوع، كأن يقطعها الجاني من المرفق أو نصف السّاعد، فليس عليه إلاّ دية اليد عند جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة، وهو قول عطاء وقتادة والنّخعيّ وابن أبي ليلى، وأبي يوسف من الحنفيّة‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجب مع الدّية حكومة لما زاد عن الكفّ من السّاعد والعضد ونحوهما، كما لو قطعه بعد قطع الكفّ، لأنّ ما فوق الكفّ ليس بتابع له، ولا يقع عليه اسم اليد، وإلى هذا ذهب القاضي أبو يعلى من الحنابلة‏.‏

وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏دية‏)‏‏.‏

ساق

التّعريف

1 - المراد بالسّاق ساق القدم، وهي ما بين الرّكبة والقدم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّاق

حكم السّاق من حيث كونها عورةً

2 - ساق الرّجل ليست من العورة، واتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ ساق المرأة الّتي بلغت حدّ الشّهوة عورة بالنّسبة لغير المحارم، أمّا المحارم فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه مع أمن الشّهوة يجوز للرّجل أن ينظر من محرمه السّاق، وخالف في ذلك المالكيّة فقالوا‏:‏ السّاق من المرأة عورة حتّى بالنّسبة إلى الرّجال المحارم‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

القصاص في السّاق

3 - أجمع الفقهاء على وجوب القصاص في الرّجل إذا قطعت عمداً من مفصل الكعب أو مفصل الرّكبة أو مفصل الورك‏.‏

وإذا قطعت رجله من السّاق فلا يقتصّ من نفس الموضع، لأنّ القطع ليس من مفصل فيتعذّر الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

إلاّ أنّهم اختلفوا في مسألتين‏:‏

الأولى‏:‏ يرى بعض الفقهاء أنّه لا قصاص في لحم السّاق والفخذ والسّاعد والعضد ولو انتهى الجرح إلى العظم لتعذّر الاستيفاء بالمثل، وذهب أكثر أهل العلم إلى وجوب القصاص في هذه الأعضاء إذا انتهى الجرح إلى العظم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ ولأنّه يمكن استيفاؤها بغير حيف ولا زيادة‏.‏

الثّانية‏:‏ يرى بعض الفقهاء أنّ للمجنيّ عليه قطع رجل الجاني - الّذي قطع رجله من السّاق - من مفصل الكعب لأنّ فيه تحصيل استيفاء بعض الحقّ، ويأخذ حكومة الباقي عوضاً عنه‏.‏ في حين يرى البعض الآخر أنّه ليس له ذلك‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص، قود، جناية‏)‏‏.‏

دية السّاق

4 - أجمع الفقهاء على وجوب دية الرّجل كاملةً في قطعها من مفصل الكعب خطأً، أو في حال سقوط القصاص، والمصير إلى الدّية في العمد، لأنّ اسم الرّجل ينصرف إلى هذا عند الإطلاق، فإذا قطعت رجله من السّاق فليس على الجاني إلاّ دية الرّجل عند جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة، وهو قول عطاء وقتادة والنّخعيّ وابن أبي ليلى، وأبي يوسف من الحنفيّة، لأنّ ما فوق الكعب تابع له‏.‏

وذهب جمهور الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجب مع دية الرّجل حكومة لما زاد على الكعب من السّاق وغيره‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏دية، وحكومة عدل‏)‏‏.‏

ساكت

انظر‏:‏ سكوت‏.‏